قبيلة السهول العامرية الهوازنية

سلالة المجد وأرض الأبطال

في قلب الجزيرة العربية، حيث تمتد الصحاري بسكونها وتلتحف الأفق بنسمات الصحراء، تنهض قبيلة السهول كواحدة من أعرق القبائل العربية، تحمل في شرايينها دماء النسب العربي الأصيل، وتنسج عبر أجيالها حكاية من الشجاعة والعزة والمجد. هذه القبيلة العامرية الهوازنية القيسية المضرية العدنانية، تُعد امتدادًا لسلالة عريقة، ينتهي نسبها عند سهل بن أنس بن ربيعة بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ومن هذا النسب الشريف، يتصل شرف قبيلة السهول بنسب النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، كما يتقاطع نسبها مع نسب النبي محمد ﷺ عند الجد الثامن عشر مضر، ليظل اسم السهول مرتبطًا بجذور الشرف والنسب العربي الأصيل.

الجد الأكبر: سهل بن عامر

في تلك العصور الموغلة في القدم، عندما كان الفارس يُعرف بشجاعته، والقبيلة بقوة سيوف رجالها، سطع اسم سهل بن عامر، الجد الأكبر للسهول. عاش هذا الفارس في زمن ساد فيه الفروسية وتجلت فيه البطولة، وكان بن عم الصحابي الجليل الضحاك بن سفيان الكلابي، أحد رجال النبي محمد ﷺ، الذي اشتهر بشجاعته ووفائه. مع مرور السنين، تشكلت قبيلة السهول ككيان مستقل، تحمل هذا الاسم الفريد نسباً لسهل بن عامر، لتكون وريثة لإرث بني كلاب، القبيلة الأم التي كانت لها سطوة وحضور في قلب الجزيرة.

الديار الواسعة وانتشار القبيلة

على امتداد رمال الجزيرة العربية، من نجد إلى حواف الخليج العربي، ترسخت قبيلة السهول، حيث كانت موطنها الأصلي في العارض والعويرض ورويغب في منطقة الرياض. هناك، حيث الشمس تشرق ببهائها، والرمال تعكس أصالة الماضي، بنت القبيلة معاقلها، وحافظت على إرثها العريق جيلاً بعد جيل. ومع مرور الزمن، لم تقف حدود السهول عند نجد، بل حمل أبناؤها تاريخهم وتراثهم إلى الكويت، قطر، البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استقروا وبنوا مجتمعات جديدة، لكنهم ظلوا متمسكين بجذورهم وتقاليدهم.

حكايات الفخر وقصص البطولة

لم تكن قبيلة السهول قبيلة على هامش التاريخ، بل كانت حكاية متواصلة من الشجاعة والكرم، حيث سطّر رجالها بطولات خالدة في تاريخ الجزيرة. في الزمن الجاهلي، كانت القبيلة تُعرف باسم بني كلاب، وبرزت كإحدى القبائل الكبرى التي فرضت نفوذها في قلب الجزيرة، حيث امتدت أراضيها من نجد إلى أطراف الشمال، وازدهرت بعزتها وقوتها. ومع ظهور الإسلام، لم تقف القبيلة على الحياد، بل كانت حاضرة في ساحات القتال، يلوح رجالها بالسيوف، ويقدمون أرواحهم فداءً للدين والأرض.

بطون القبيلة وفروعها العريقة

تتشكل قبيلة السهول من عشرة بطون رئيسية، يتفرع عنها العديد من الأفخاذ، التي تشكل نسيجًا متكاملًا من العائلات العريقة، وهي:

  1. البرازات: آل راشد، آل رشيد.
  2. آل محيميد: المراطين، الشعف.
  3. الظهران: السويدان، آل حمضة، آل زايد، آل منيخر، الفطامين، آل عبود.
  4. الزقاعين: رويضان، آل ثنيان، آل خضير، آل شلهوب، آل دمخ، آل حماضين، آل سيف، آل طرجم، القناعات.
  5. الصعوب: آل مدهش، آل علي، آل مفرح، آل مقحص.
  6. آل عبيد: آل قطيان، آل جربوع.
  7. القبابنة: الشخاتلة، المحاركة، السواقين، آل غليظ، الحوازمة، آل جلال، آل جريبة، آل زيد، العناقيد، آل ذيب.
  8. المحانية: آل فضل، آل فالح، آل حمود، آل فليح، آل عريفج.
  9. المحلف: آل هويمل، الرصعان، آل عتيق، أبو جدعة.
  10. آل منجل: آل مفرج، آل عليان، آل الوعلة.

الأصالة التي لا تُشترى

في كل زاوية من ديار السهول، وفي كل مجلس يجتمع فيه شيوخها وشبابها، تحضر القيم الأصيلة التي تشربتها القبيلة جيلاً بعد جيل. الكرم الذي يجعل مضاربهم مفتوحة للضيف، والشجاعة التي تظهر في أوقات الشدة، والحكمة التي تُروى في القصص التي تتناقلها الأجيال. تلك القيم لم تكن مجرد شعارات، بل كانت جزءًا من حياة أبنائها، ودستورًا غير مكتوب يحكم سلوكهم وتفكيرهم.

من السيوف إلى التأسيس – قبيلة السهول والدولة السعودية

بين رمال نجد وأصوات النوق في الفلاة، لم تكن قبيلة السهول تعيش على أطراف التاريخ، بل كانت تصنعه. فمنذ أن بزغ فجر الدولة السعودية الأولى وحتى عهد التوحيد الذي قاده الملك عبدالعزيز، كانت القبيلة في قلب التحولات، حاضرة بسيوف رجالها، ومواقف شيوخها، وولاء أبنائها.

الدولة السعودية الأولى: بداية التلاحم

حين بزغت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدرعية، وبدأ الإمام محمد بن سعود يضع اللبنات الأولى للدولة السعودية الأولى، لم تتردد قبيلة السهول في الانضمام إلى هذا المشروع العظيم. فقد كانت من أوائل القبائل النجدية التي آمنت بالدعوة الإصلاحية، وساندتها بالسلاح والرجال.

الدولة السعودية الثانية: الثبات في زمن التحديات

ومع سقوط الدولة الأولى على يد العثمانيين، وانبعاث الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله، لم تتخلَّ السهول عن ثوابتها.

في معركة السبية عام 1245هـ/1830م، قاتلت القبيلة إلى جانب الإمام ضد قوات بني خالد، وأسهمت في نصر عسكري كبير أدى إلى استعادة الأحساء والقطيف.

كما واجهت القبيلة الحملات العثمانية بصلابة؛ ففي إحدى الحملات بقيادة موسى كاشف، تصدت السهول لهجومه، وتمكنت من قتله مع ثلاثمائة من قواته، فيما فرَّ الباقون. كان ذلك موقفًا يجسد الشجاعة والحنكة القتالية التي اشتهرت بها القبيلة، إذ صدَّت أكثر من سبع معارك كبرى مع الدولة العثمانية دون أن تُهزم في أي منها، وكانت سببًا في إضعاف قوة الدولة العثمانية في نجد.

الدولة السعودية الثالثة: عهد المجد والوحدة

حين خرج الملك عبدالعزيز من الكويت متجهًا إلى الرياض، كان يبحث عن رجال أوفياء، لا تُثنيهم المصاعب ولا يغريهم العدو. فوجد في رجال قبيلة السهول الحلفاء الصادقين.

شاركت القبيلة في فتح الرياض عام 1319هـ/1902م، وأسهمت في تثبيت دعائم الدولة من بدايتها، وشاركت في حملات التوحيد، بما في ذلك المعارك التي خاضتها قوات الملك في مناطق نجد والأطراف.

في مجلس من مجالس القبائل، يُروى أن الملك عبدالعزيز قال:

“أشجع من طارد معي هم السهول.”

هذه العبارة لم تكن مجرد مجاملة، بل اعتراف صريح بشجاعة رجال القبيلة، وموقف لا يُنسى في سجلات التأسيس.

القبيلة في زمن الاستقرار

مع استقرار الحكم، لم تنس القبيلة دورها، بل انتقلت من ميادين الحرب إلى ساحات البناء. شارك أبناؤها في نهضة المملكة، من التعليم إلى الاقتصاد، ومن الإدارة إلى الأمن، وكانوا جزءًا من الرؤية الجديدة التي رسمها الملك المؤسس.

من القبيلة إلى الوطن

قبيلة السهول اليوم، ليست فقط فخرًا لأبنائها، بل هي جزء لا يتجزأ من نسيج المملكة العربية السعودية. ما بين التاريخ العريق والمواقف المشهودة، تظل القبيلة رمزًا للثبات في زمن الفوضى، والشجاعة في زمن التردد، والوفاء في زمن الحسم.

رجالها الذين وقفوا بالأمس في صف الدولة، هم اليوم في مواقع القيادة، والبناء، والتنمية. يسيرون على خطى أجدادهم، ويحملون في ذاكرتهم إرثًا لا يصدأ، وتاريخًا لا يُمحى.

قبيلة السهول ليست مجرد قبيلة من قبائل العرب، بل هي قصة وطن، وموقف في كل مرحلة من مراحله. من أعماق الجاهلية، إلى معارك الإسلام، ثم إلى تأسيس الدولة السعودية، كانت السهول حاضرة، كما هي اليوم: ثابتة، وفية، وفخورة.

هذا المجد لم يُهد لهم، بل صُنع بشرف السيوف، وصدق المواقف، ونُبل الرجال.

وما تزال القصة تُكتب… والأجيال تروي.



أمجاد بني كلاب وجذور السهول

عبر صحاري الجزيرة العربية، حيث تتوهج الرمال تحت شمس لا تعرف الغروب، وعبر جبال الشام الشاهقة، نسجت قبيلة بني كلاب حكايتها العظيمة. قبيلة عربية قيسية عدنانية، انطلقت من قلب نجد، وزرعت جذورها في قلب الصحراء قبل أن تمتد فروعها نحو الشمال، حيث أسسوا إمارة في حلب تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ المنطقة.

لكن قصة بني كلاب لم تنتهِ بسقوط إمارتهم في الشام، فقد استمر إرثهم في الجزيرة العربية، حيث تحولت فروعهم المستقرة في نجد إلى قبيلة السهول، التي حملت تراث الأجداد بكل فخر، واحتفظت بقيمهم وشجاعتهم عبر العصور. هنا سنروي بشكل مختصر قصة بني كلاب، منذ ظهورهم كقبيلة قوية في نجد، إلى تأسيسهم لإمارة المرداسيين في حلب، وصولًا إلى استمرار إرثهم في قبيلة السهول.


من نجد إلى الشام – ظهور بني كلاب

النشأة والأصول

في قلب الجزيرة العربية، حيث تقابل الرمال الأفق البعيد، وُلدت قبيلة بني كلاب من بني عامر بن صعصعة، تلك القبيلة العربية التي عُرفت بقوتها وشجاعتها. عاش بنو كلاب في منطقة نجد، حيث كانت أراضيهم تُعرف بـ”هيما داريا”، وهي مراعي واسعة مخصصة لخيلهم العربية الأصيلة.

كانت بني كلاب قبيلة مترابطة وقوية، انقسمت إلى عدة بطون، أبرزها عبد الله، أبو بكر، عمرو، وجعفر. وقد عُرف رجالهم بالبأس في القتال والشجاعة في المعارك، بينما تميز شعراؤهم بالفصاحة، وعلى رأسهم الشاعر الجاهلي الكبير لبيد بن ربيعة. وفي نجد، نسجت القبيلة علاقات مع جيرانها، ولكنها خاضت أيضًا صراعات دامية مع قبائل تميم وبني أسد وسليم، في منافسة مستمرة على السيطرة والنفوذ.

المواجهة مع الإسلام

مع ظهور الإسلام، واجهت بني كلاب دعوة النبي محمد ﷺ، مثلها مثل معظم القبائل العربية. دخلت القبيلة في مواجهات مع المسلمين، وكان أبرزها حادثة سرية بئر معونة، التي قُتل فيها عدد من الصحابة على يد رجال بني كلاب. لكن مع توسع الفتوحات الإسلامية، اعتنق العديد من أبناء القبيلة الإسلام، وشاركوا في معارك الفتح، لينتشروا في مناطق العراق والشام.

الهجرات الكبرى نحو الشمال

لم تكن بني كلاب قبيلةً مستقرّة في نجد فقط، بل كانت قبيلة بدوية محاربة، تسعى دائمًا نحو الأراضي الخصبة والمراعي الواسعة. مع الفتوحات الإسلامية، هاجرت عشائر من بني كلاب إلى شمال سوريا، حيث استقروا في السهوب الشامية، حول حلب وحمص وتدمر. في تلك المناطق، فرضت القبيلة نفسها كقوة عسكرية مؤثرة، مستفيدة من خبرتها في القتال وحركتها السريعة على ظهور الخيل.

لكن بينما كانت بعض الفروع تهجر نجد نحو الشمال، بقيت فروع أخرى من بني كلاب في نجد، متجذرة في الصحراء، ومع مرور الزمن، اندمجت هذه الفروع لتصبح قبيلة السهول وهم أبناء سهل بن عامر بن صعصعة، التي حافظت على تراث بني كلاب وعاداتهم.


إمارة المرداسيين في حلب – ذروة المجد

صعود بني كلاب في شمال سوريا

في شمال سوريا، ومع بداية القرن العاشر، بدأت بني كلاب تبرز كقوة عسكرية وسياسية مؤثرة، مستفيدة من الصراعات بين الدول الإقليمية، كالدولة الحمدانية والخلافة العباسية. قاد رجالهم حروبًا ضد الأعداء، وتحالفوا أحيانًا مع الحمدانيين، وأحيانًا ضدهم. كانت قبيلة عمرو بن كلاب هي القوة الأبرز في تلك المنطقة، ومع مرور الوقت، أصبحت الزعامة تنتقل بينهم.

صالح بن مرداس وبداية الإمارة

لكن التحول الأكبر في تاريخ بني كلاب جاء مع ظهور صالح بن مرداس الكلابي، الذي نجح في توحيد القبيلة وتأسيس إمارة قوية في حلب عام 1025م. أصبحت حلب عاصمة لإمارة المرداسيين، وتحولت إلى مركز حضاري وتجاري بارز، حيث امتدت سيطرة بني كلاب من شمال سوريا إلى غرب بلاد ما بين النهرين.

تحت حكم صالح وأبنائه، ازدهرت الإمارة، وحافظت بني كلاب على مكانتها كقوة عسكرية لا يُستهان بها. لكن هذا المجد لم يكن مستقرًا، فقد واجهت الإمارة تحديات كبيرة من الدولة الفاطمية، التي حاولت السيطرة على حلب.

الصراعات الداخلية وسقوط الإمارة

بعد وفاة صالح بن مرداس، اندلعت الصراعات بين أبنائه وأحفاده، وتنازعت الفروع المختلفة من بني كلاب على السلطة. استغل السلاجقة هذه الفوضى، ودخلوا حلب عام 1080م، منهين بذلك حكم بني كلاب في الشام. تفرق رجال بني كلاب في شمال سوريا، وبدأ نفوذهم يتلاشى تدريجيًا.


إرث بني كلاب واستمرار السهول

السهول – ورثة بني كلاب في نجد

بينما كان نفوذ بني كلاب يتراجع في شمال سوريا، استمرت فروعهم في نجد كقوة قبلية مؤثرة، تُعرف بـقبيلة السهول. احتفظت هذه القبيلة بتراث بني كلاب، وتقاليدهم القتالية، وقيمهم العربية الأصيلة. عاشت السهول في منطقة العارض والعويرض ورويغب في نجد، حيث كانت لهم السيادة في تلك المناطق والهيبة بين القبائل.

استمرار القيم والتراث

كانت السهول امتدادًا حيًا لبني كلاب، حيث حافظت على نسبها العامري، وروت قصص شجاعة أجدادها في المعارك، وظلت مضاربها شاهدة على تاريخ طويل من العزة والشجاعة في نجد والحجاز والشام.

من مجد بني كلاب إلى فخر السهول

تروي هذه الصفحات قصة بني كلاب منذ ولادتهم في نجد، وصعودهم في شمال سوريا، حتى سقوط إمارتهم في حلب. لكن إرثهم لم يتلاشَ، بل استمر في قبيلة السهول، ودعم الدول السعودية الثلاث، وكسر قوة الدولة العثمانية في نجد، والتي حملت راية الشجاعة والكرامة والوفاء، لتظل شاهدة على مجد قبيلة عربية عظيمة.