تُعد الأيام أو الوقائع التي جرت بين قبيلتي السهول وعنزة من الأحداث القليلة في تاريخ نجد، ويعود ذلك إلى بُعد الشُّقَّة الجغرافية بين ديار القبيلتين، إذ كانت السهول تقطن جنوبي نجد، بينما كانت عنزة في شمالها. ولهذا السبب كانت احتكاكاتهم محدودة إذا ما قورنت بأيام السهول ضد قبائل مثل قحطان ومطير وعتيبة، وهي القبائل التي جاورتهم في بلادهم، فكانت بينهم وقائع أشهر وأقرب .
علاقة السهول وسبيع
ومن الأخبار الطريفة التي تُظهر الصلات الطيبة بين القبائل العامرية ما جرى بين منير بن عايش العاطفي القحطاني – وهو من رواة الأخبار والأشعار ومن خواص الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي – وبين حسين بن سيف العجمي الرخم العامري السبيعي.
وقد التقيا في مدينة عرعر في أوائل عشر الثمانين من القرن الرابع عشر الهجري (الموافق لأول الستين من القرن العشرين الميلادي)، وبعد حديث دار بينهما حول بعض الحوادث، سأل القحطانيُّ السبيعيّ قائلًا:
«أطيب سبيع ولا السهول؟»
فأجابه السبيعي إجابة تدل على الفهم والكرم والمروءة، فقال:
«لا تنشد السبيعي عن السهلي، ولا السهلي عن السبيعي، فهم بنو عم، مُعَدَاهم واحد، وثورة بندقهم وحدة. لكن إن بغيت تنشد عن سبيع إنشد حدادهم الدواسر والعجمان، وإن بغيت تنشد عن السهول إنشد حدادهم مطير وعتيبة» .
دلالة الرواية
علّق المؤرخ أبو عبد الهادي على هذا الموقف بقوله إن ما قاله السبيعي كان بعد بعض الحوادث، مما يدل على طيبة معدنه وكرم خلقه ومروءته وشهامته ورجاحة عقله وسجاحة نفسه.
ويضيف أن في هذا القول ما يُشرف كلًّا من السهلي والسبيعي، إذ يجمع بينهما الأصل والخلق العربي الرفيع، فيتبادلان الثناء والاعتراف بالمودة والقرابة. ويستشهد أبو عبد الهادي في هذا السياق بقولين عربيين قديمين، أولهما لأوس بن حارثة الطائي حينما سأله عمرو بن هند:
«أنت أفضل أم حاتم؟»
فقال أوس:
«أبيت اللعن، إن حاتمًا أوحدها وأنا أحدها، ولو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة».
ثم سأل عمرو بن هند حاتم الطائي السؤال نفسه، فأجاب بقوله:
«أبيت اللعن، إنما ذكرت أوسًا، ولأحد ولده أفضلُ مني» .
خلاصة
يستنتج من هذه الروايات أن الأيام بين السهول وعنزة كانت قليلة لقلة الاحتكاك المباشر بين القبيلتين، وأن العلاقة بين السهول وسبيع خاصةً كانت قائمة على صلة الرحم والقرابة، إذ يجمعهما الأصل العامري.
كما يظهر من المواقف المروية أن العرب في جاهليتهم وإسلامهم، كانوا يجلّون مكارم الأخلاق، ويثنون على الفضل في غيرهم كما في أنفسهم، وهي السمة التي ورثتها القبائل النجدية ومنها السهول وسبيع وعنزة حتى القرون المتأخرة.
المصادر والمراجع
- كتاب أيام العرب في الجاهلية – صـ 137.
- رواية منير بن عايش العاطفي القحطاني (من رواة الأخبار والأشعار، ومن خواص الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي).
- رواية حسين بن سيف العجمي الرخم العامري السبيعي – نقلاً عن أبي عبد الهادي.
- تعليقات وتوثيق المؤرخ أبو عبد الهادي على رواية اللقاء بين السبيعي والقحطاني.
- مرويات شفهية معاصرة محفوظة في كتب تراجم وأخبار قبائل نجد في القرن الرابع عشر الهجري.


