من الرضيمة إلى السبية.. مواقف لا تُنسى لقبيلة السهول

من الرضيمة إلى السبية.. مواقف لا تُنسى لقبيلة السهول
7.5k مشاهدة

منذ منتصف القرن الثالث عشر الهجري، استقرت قبيلة السهول في القسم الجنوبي من نجد، في ديارٍ واسعة تمتد من جنوبي رنية جنوبًا وغربًا إلى شمالي الدوادمي شمالًا، حتى بلاد الأفلاج شرقًا. وهذه الديار التي عرفتها المصادر القديمة ببلاد بني عامر بن صعصعة، كانت ولا تزال موطن السهول ومجال حركتهم التاريخي. وقد أكدت النصوص المدونة هذه الحقيقة، خلافًا لما يروى من أقوال ملفقة وأحاديث لا أصل لها. ومن بين تلك المصادر: “الأمكنة والمياه والجبال والآثار”، و“تحفة المشتاق”، و“تحفة الأسماع والأبصار”، و“تاريخ ابن عباد”، و“تاريخ الفاخري”، و“تاريخ ابن ربيعة”، و“عنوان المجد”، و“مجموع ابن عيسى”، و“روضة الأفكار والأفهام”، و“لمع الشهاب”، و“دليل الخليج”، و“قلب الجزيرة العربية”، و“ما تقارب سماعه”، و“البدو”، و“المعجم الجغرافي لعالية نجد”، و“الرياض المدينة القديمة”، وغيرها من الكتب التي أرّخت لتلك الديار وما حولها.

- إعلان -

قال أبو عبد الهادي إن من أراد أن يكتب عن قبيلة السهول في أطوارها المختلفة من حيث البلاد والتاريخ والنسب، فلن يعجزه البحث ولن تعوزه المصادر، لأن تاريخ السهول – ولله الحمد – متصل الحلقات، واضح المعالم، خالٍ من الفجوات. وأكد أن بلاد السهول هي بعينها بلاد أسلافهم من بني عامر بن صعصعة من هوازن، وأن من ينكر ذلك فقد جهل أو تجنّى، إذ لا يخفى على من عرف الجغرافيا القديمة أن الجزء الجنوبي من نجد هو ديار بني عامر بن صعصعة. وقد قال ياقوت الحموي في معجم البلدان إن أرض هوازن في نجد مما يلي اليمن، وأرض غطفان في نجد مما يلي الشام، وذكر ابن بليهد في “صحيح الأخبار” أن عالية نجد الشمالية لبني عبد الله بن غطفان وبني سليم، أما العالية الوسطى والجنوبية فهما لبني عامر، وهو ما يثبت أن السهول امتداد أصيل لهوازن وبني عامر في مواطنهم القديمة.

ومن الأسماء البارزة في تاريخ السهول اسم “لحيان”، وهو اسم كلابي عامري هوازني معروف منذ القدم. وقد أوضح أبو عبد الهادي أن لحيان لفظ نسبة إلى اللحية، ويعني “أبو لحية” أو “ذو اللحية”، وأقدم من وُجد هذا الاسم عندهم هم السهول أنفسهم. ومن بني أبي بكر بن كلاب – الذين منهم قبيلة السهول – ذو اللحية شريح بن عامر بن عرف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب من بني عامر بن صعصعة، كما ورد في “جمهرة النسب”. وذكر ياقوت الحموي في كلامه على ثنية المذابيح أن بجبل ثهلان قصبة لحيان الكلابي، وهو أمر له دلالة عجيبة لأن جبل ثهلان – أو ذهلان كما يسميه بعضهم – يقع في بلاد السهول غرب الدوادمي، مشرفًا على بلدة الشعراء من الجهة الغربية، وقد ورد ذكره في “صفة جزيرة العرب” لابن بليهد، وفي “بلاد العرب” للجاسر، وفي “المعجم الجغرافي لعالية نجد”.

وتؤكد المصادر الجغرافية القديمة أن الدوادمي والشعراء من بلاد قبيلة السهول، إذ قال حسن بن جمال الريكي في “لمع الشهاب” إن السهول لهم جبل يسمى العرض كثير المياه والأودية، وأراضيهم قريبة من الشعراء والدوادمي، وذكر الشيخ سعد بن جنيدل في “مجلة العرب” (شوال 1390هـ / ديسمبر 1970م) أن قبيلة السهول كانت تقطن في تلك الحقبة بين الدوادمي وماسل ومجيرات. كما أشار لغدة في “بلاد العرب” وياقوت في “المعجم” إلى أن لبني أبي بكر بن كلاب رَذْهةً تُعرف باسم اللحيان.

ومن عوائل السهول العريقة آل لحيان، شيوخ البرازات من القبيلة، وهم من آل رشيد من البرازات، وقد وصفهم أبو عبد الهادي بأنهم ذوو ذكر عالٍ وصيت بعيد، ومنهم فرسان مغاوير وأبطال مساعير وشعراء مجاويد. وقد حفظ التاريخ أسماء رجال منهم لمعوا في ميادين الحرب والسياسة، وكان لهم أثر بالغ في تاريخ نجد في القرن الثالث عشر الهجري.

ومن أبرز هؤلاء الفرسان خزيم بن فيصل بن لحيان، الذي ذُكر في “مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود” لابن سند الوائلي، حيث وصفه المؤرخ بأنه من كبار السهول ومن فرسان العرب المعدودين، وروى أن قبائل مطير وبني خالد كانوا يجلّونه تقديرًا لشجاعته وكرمه، وقالوا: “خزيم السهلي أحب إلينا من إدالتنا على بني خالد”، لما رأوا فيه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم. وقد كتب ابن سند هذه الأخبار قبل قرابة مئتي سنة (1242هـ / 1826م)، أي في وقت معاصر لخزيم وأيامه.

وذكر ابن بشر في “عنوان المجد” أن خزيم شارك في وقعة وادي الأبيض سنة 1212هـ، حيث قتل الفارس المشهور مطلق بن محمد الجرباء الشمري، وقد عدّ ابن سند هذا الانتصار من أعظم فتوحات الدولة السعودية الأولى، وخصص له ترجمة في “عقود الجواهر في المختار من تراجم فرسان العرب الأواخر”. كما وردت رواية عن غزوة قادها خزيم بن لحيان على الدعاجين من برقا من قبيلة عتيبة، أوردها الباحث عقاب الحويماني العتيبي في بحثه عن “فريس الدغالبة”، مؤكداً أن خزيم كان على رأس البرازات من السهول في تلك الحملة، وقد صدّق هذه الرواية الراوية الكبير عبد الله بن سعيد السبعاني السهلي الذي زوّد أبا عبد الهادي بتفاصيلها.

ومن أعقاب خزيم جاء ابنه ضويحي بن خزيم، قائد السهول في مناخ السبية سنة 1245هـ، كما ذكر ابن بشر في “عنوان المجد”. وكان ضويحي هو الذي قتل ماجد بن عريعر الحميدي، شيخ بني خالد، قاتل أبيه خزيم في مناخ الرضيمة سنة 1238هـ. وقد نقل ابن بشر تفاصيل ذلك، مبينًا أن ماجد مات قتيلاً لا مريضًا كما ظن بعض المتأخرين، مؤكدًا أن في مقتل ماجد انفرجت الكربة عن المسلمين واستبشر الإمام تركي بن عبد الله بالنصر.

وتروي الأخبار أن الإمام فيصل بن تركي كتب إلى والده الإمام تركي يبشره بمقتل ماجد ويستنفره، فقدم الإمام في العشر الأواخر من رمضان، وبعد المشاورة جعل السهول في وجه خطاف، راية ابن عريعر وقلب جيشه، فهجموا عند فجر السابع والعشرين من الشهر، فكان النصر المبين كما قال ابن بشر: “فتنزّل النصر من الصمد الواحد”. وكان للسهول في ذلك اليوم بلاء حسن وفعل مشهود وذكر خالد في الذاكرة النجدية.

وقد نظم الشاعر محسن بن عقيل المحلفي السهلي قصيدةً يفتخر فيها بما فعل قومه في السبية، موجهًا قوله إلى فغران بن عريعر:

قل له ترانا هل المحاجي اليمنى

أهل رماح واهل حدب العراقيبا

كله على شان شيخٍ يوم يندينا

وكله على شان ذيك الفطر الشيبا

كما قال الفارس داهم بن سرهيد المحلفي السهلي في أحديته المشهورة:

لا بتي مثل سيلٍ دحوم

لا تقحم يطمّ الزبار

لا بتي جاليين الهموم

ولا بتي نازلين الخطار

ونشرت هذه الأحدية في “ضميمة من الأشعار القديمة”، وهي من الشعر الحربي الذي حفظ للأجيال بطولات السهول في ميدان السبية وغيرها من مواقع المجد.

وقد شهد الملوك والعلماء والوجهاء على شجاعة السهول ووفائهم، وفي مقدمتهم ملك الحجاز الشريف الحسين بن علي، الذي ذكر القبيلة في مكاتباته حين أعلن نفسه ملكًا على العرب، وأثنى على ما عرفه من كرمهم وثباتهم في المواقف الصعبة، واعتبرهم من القبائل التي لم تُعرف عنها خيانة ولا نكث للعهد، بل عُرفت بالعروبة الصريحة والمروءة الرفيعة. وكانت هذه الشهادة امتدادًا لما أثبته المؤرخون في كتبهم من إنصاف لهذه القبيلة النجدية الأصيلة التي ظلت عبر القرون حاضرة في مجالات الفروسية والسياسة والقيادة والشعر.

وهكذا، فإن تتبع تاريخ السهول عبر المصادر المتنوعة يكشف عن سلسلة متصلة من المروءة والبطولة، وعن ارتباط جغرافي ونَسَبي واضح بأسلافهم من بني عامر بن صعصعة من هوازن. لقد حافظت القبيلة على مواقعها في عالية نجد الجنوبية، وظلت وفية لجذورها العربية ومكانتها بين قبائل العرب، فكانت مثالاً للتاريخ المتصل والمجد المتوارث، لا يعرف الانقطاع ولا يشوبه النقص. وما دوّنه المؤرخون والرواة عنهم هو شاهد باقٍ على أصالة القبيلة، وشجاعتها، ومكانتها في صفحات تاريخ نجد والجزيرة العربية.

المصادر والمراجع

  • الأمكنة والمياه والجبال والآثار – 1/125
  • تحفة المشتاق – ص 17
  • تحفة الأسماع والأبصار – 2/966
  • تاريخ ابن عباد – ص 70
  • تاريخ الفاخري – ص 86
  • تاريخ ابن ربيعة – ص 78
  • عنوان المجد – 1/241، 2/72–73، 2/346
  • مجموع ابن عيسى – ص 147
  • روضة الأفكار والأفهام – ص 159–160
  • لمع الشهاب – ص 64
  • دليل الخليج – القسم الجغرافي – 6/2092
  • قلب الجزيرة العربية – 2/27–28، 237–238
  • ما تقارب سماعه – ص 169
  • البدو – 3/65
  • المعجم الجغرافي لعالية نجد – 1/270–276، 3/1095
  • الرياض المدينة القديمة – ص 133
  • صحيح الأخبار – 5/109
  • جمهرة النسب – 2/22
  • معجم البلدان – 2/99، 3/342–343
  • مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود – ص 223، 355
  • عقود الجواهر في المختار من تراجم فرسان العرب الأواخر – 1/61–62
  • مجلة العرب – العدد 5، شوال 1390هـ / ديسمبر 1970م
  • أصول الخيل العربية الحديثة – ص 324
  • ضميمة من الأشعار القديمة – ص 161
شارك هذه المقالة