تُعد وقعة السهول وعنزة من أبرز الوقائع التاريخية التي وردت في المصادر القديمة المتصلة بتاريخ عالية نجد، وقد وثقت هذه الحادثة في عدد من المراجع التي تناولت أنساب القبائل وأيامها ومواطنها. كما ارتبطت هذه الوقعة بالمثل المشهور «اشهد يا ضليع الريان» الذي أصبح من العبارات المتوارثة في الذاكرة الشعبية لقبيلة السهول، لما يحمله من دلالة على الشجاعة والإقدام في الميدان.
وقعة السهول وعنزة وظهور المثل اشهد يا ضليع الريان السياق التاريخي للوقعة
ورد ذكر هذه الحادثة في كتاب الأصول، في باب «الدهيمات»، ضمن قصة دهماء ابن معجل، وهو من شيوخ الأشاجعة من قبيلة عنزة، إذ ورد في الرواية أنه كان يملك فرسًا تدعى «الدهما» ويُذكر أن أصلها من ابن لحيان من السهول. ويشير هذا النص إلى وجود صلة بين قبيلتي السهول وعنزة في حوادث قديمة، كان من نتائجها تبادل الإبل والخيل إثر منازعات وغزوات محلية .
وقد وردت إشارة إلى هذه الحوادث أيضًا في كتاب تربية الخيول العربية (ص 81)، المنقول عن تاريخ أرسان الخيول العربية لعباس باشا، حيث ورد:
«يدعي ابن معجل بأن الفرس الدهما أحرزها من ابن لحيان من السهول».
ويُعد هذا النص من أوائل ما ورد في المصادر عن احتكاك موثق بين القبيلتين، إلى جانب ما أشار إليه تحفة المشتاق من حوادث سنة 959هـ / 1552م في منطقة العويند الواقعة في عالية نجد الجنوبية، وهي من البلاد التي أجمع عدد من الباحثين على أن قبيلة السهول كانت تحلها وتحميها وتدفع عنها .
وادي بحار ومنازل السهول
ورد في شعر الفارس حمود بن شلغان بن رويضان – أحد فرسان السهول – قوله المشهور:
ووادي بحار يوم سال حنّا حمينا العرض والمحضوبة
في وجيه غزوان الشمال ياما روينا فيه من مخضوبة
اللي كما وصف الغزال كله لعينا الجادل الرعبوبة
وقد وردت هذه الأبيات في ضميمة من الأشعار القديمة (ص 78)، وتؤكد أن وادي بحار يقع في بلاد بني كلاب من بني عامر بن صعصعة من هوازن، والسهول من بني كلاب، مما يوضح امتداد نسب القبيلة ومواطنها القديمة .
وفي بلاد العرب (ص 159–160) ورد ذكر ذي بحار بأنه «بالجزع من أسفل ذي بحار»، وهو ما يطابق روايات الرواة الميدانيين من أبناء القبيلة، حيث جاء في قولهم:
«ذو بحارٍ لنا، وهو بالنير»،
مما يثبت قدم استيطان السهول لهذه المنطقة.
يوم ماسل وعروان
ومن الوقائع التي حفظتها الرواية الشعرية يوم ماسل وعروان، وهما موضعان في منطقة العرض (عرض شمّام). وقد ورد في قصيدة لشاعر سهلي قديم قوله:
يومٍ نهجدناهم عند ماسل وعروان
غرّنا عليهم واعتزّوا واعتزّينا
وتدل هذه الأبيات على مناخٍ قبلي جرى بين السهول والظفير، كما ورد في المراجع الجغرافية مثل المعجم الجغرافي لعالية نجد (ج3 ص 939–1138). وذكر بعض الشعراء موضع عروى (عروان) ومأسل في أبياتٍ أخرى، مما يدل على رسوخ هذه الأسماء في الشعر العربي منذ الجاهلية .
رواية عبد الله بن سعيد السهلي
من الروايات المهمة التي تحفظ تفاصيل هذا المثل ما أورده الراوي عبد الله بن سعيد السبعاني السهلي عن أبيه مشعان بن عبد الله بن سعيد، قال فيها إن السهول بعد مغازي اليمن نزلوا على سادة الحنية حين مُنعوا من التوجه نحو الكويت والعراق. وفي إحدى رحلاتهم إلى عجمي بن سويط – من شيوخ الظفير – استُقبلوا بكرم وترحيب، ولما علم ابن سويط أن أحدهم من السهول، أثنى عليهم وذكر حادثةً قديمةً مشهودةً لهم .
فقد قال ابن سويط إن مهنا بن سويحل السهلي فك إبله بنفسه من غزو للظفير، وواجه الفرسان بمفرده، وكان يعتزي في المعركة بقوله:
«خيّال الرقبا مهنا!»
وكان كلما أصاب فارسًا أو طرح خصمًا قال:
«اشهد يا ضليع الريان!»
حتى إذا أعيا خصومه من الظفير وطلبوا الصلح قالوا له:
«مشهودة يا مهنا» أو «احنا شهودك يا مهناه».
وقد عُرفت هذه القصة عند الرواة، وأكد أبو عبد الهادي أنها مشهورة عند قبيلة السهول، وأن المثل «اشهد يا ضليع الريان» صار يجري عندهم مجرى الأمثال المتوارثة .
دلالة المثل وموضع الريان
يشير النص إلى أن الريان موضع من بلاد السهول القديمة، يقع شرق جبل ثهلان وجنوب بلدة الشعراء، وقد ورد ذكره في المعجم الجغرافي لعالية نجد (ج2 ص 636–637). والمثل «اشهد يا ضليع الريان» يُستعمل في التراث النجدي بمعنى الإشهاد على موقف بطولي أو حدث لا يُنسى، وغالبًا ما يُقال لتأكيد الفعل المشهود عليه.
خلاصة
إن الوقائع والروايات المذكورة توضح أن وقعة السهول وعنزة تمثل من أقدم المناوشات الموثقة بين القبيلتين في تاريخ عالية نجد، وأن المثل المشهور «اشهد يا ضليع الريان» وُلد من موقفٍ بطولي لفارسٍ من السهول في مواجهة الظفير، فصار يُتداول جيلًا بعد جيل كشاهد على الفروسية والمروءة. وقد حفِظت هذه القصة في الروايات الشفهية والكتب التاريخية، لتبقى شاهدًا على صفحة من صفحات تاريخ القبائل في نجد.
المصادر والمراجع
- كتاب الأصول – الباب الأول (في الدهيمات)، الباب الرابع (قصص دهماء ابن معجل).
- تاريخ أرسان الخيول العربية لعباس باشا – نقله الأمير محمد علي في كتاب تربية الخيول العربية (ص 81).
- كتاب تحفة المشتاق – حوادث سنة 959هـ / 1552م.
- ضميمة من الأشعار القديمة (ص 78).
- بلاد العرب (ص 159–160).
- المعجم الجغرافي لعالية نجد – الجزء الثاني (ص 636–637)، والجزء الثالث (ص 939–1138).
- أصول الخيل العربية الحديثة (ص 463).
- شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري (ص 297).
- روايات عبد الله بن سعيد السبعاني السهلي عن والده مشعان بن عبد الله بن سعيد السبعاني السهلي.


